فلسطين

بين جوديث بتلر وأرييه أليمي: كيف نقيم أخلاق المقاومة؟

يجادل بعض الناس بأن أي تفكير في السابع من أكتوبر يجب أن يبدأ من «الإرهاب». لا، عليه أن ينطلق من وجود مضطهِد ومضطهَد، من الوضع الاستعماري نفسه.

future الإفراج عن أسيرة إسرائيلية من قبل كتائب القسام ضمن صفقة تبادل الأسرى أثناء معركة طوفان الأقصى

الكاتب: فريديرك لوردون - ترجمة: عمرو جمال، عن لوموند ديبلوماتيك

لا يزال كلام جوديث بتلر منذ بضعة أشهر يثير ضجة. لقد تحدثت بتلر عن «مقاومة»، ورد عليها أرييه أليمي بـ«أخلاق المقاومة». لقد فهمنا جوهر الأمر: سنتكلم عن أخلاق، وبالتالي عن إدانات. هذا هو الهدف من كلمة «الإرهاب»: إنتاج إدانات، وعدم إضافة أي شيء بعد ذلك. لكن الاتهام بـ«الإرهاب» هو من مستوى ماكرون أو «الفيلسوف» برنار هنري ليفي أو الصحفية السطحية ليا سلامي.

لكن لأن بتلر وأليمي مثقفان، سوف يتكلم الأخير عن الأخلاق وفلسفتها. سيصدر معايير لما هو عادل أو غير عادل من أجل خلق قواعد مبنية على أسس متينة. هكذا يرى أليمي جوديت بتلر. لكن يجب أن نعترف أن جوديت بتلر معرضة لهذا النوع من النقد. فمن الناحية الموضوعية، جزء من فلسفتها يدعو إلى ذلك، مما يضعف موقفها أمام آرييه أليمي.

إن الفلسفة الأخلاقية مهمة للغاية، هذا أمر بديهي. لكن تصبح إشكالية عندما تخرج عن سياقها، كما يقول الفيلسوف باسكال، وتنوي أن تفسر حدثاً ينتمي في المقام الأول إلى سجل آخر مثل سجل الفلسفة السياسية.

انتشار كلمة «الأخلاق» في العقود الأخيرة ليست صدفة، ونحن نعلم تماماً فائدة هذا الانتشار. إن الهدف هو إنتاج مشروع واسع النطاق لنزع السياسة عن المجتمع، ستكون الرأسمالية النيوليبرالية المستفيدة في المقام الأول. نرى ذلك في واقعنا: الشركات أخلاقية، ورأس المال المالي أخلاقي. تمتلك شركة توتال أو Orpéa لجنة أخلاقيات. يجب على استهلاكنا أن يكون أخلاقياً، مثل فرز نفاياتنا أيضاً.

هذا لا يعني أن الفلسفة الأخلاقية هي السبب في كل ذلك، لكن هناك مناخاً فكرياً عاماً، يؤثر على الفلسفة حتى من بعيد، وحتى في طرحها للمشاكل. هذا ينطبق أيضاً على الفلسفة السياسية، مما يجعلها موجهة مسبقاً، دون أن تكون على دراية بذلك دائماً. ولهذا السبب في أغلب الأحيان، عندما نسمع كلمة «الأخلاق»، علينا أن نقلق. قد يكون هناك نقاشات بيزنطية سخيفة.

ومن الواضح أن اعتراض أليمي على كلام بتلر عينة من تلك النقاشات البيزنطية. ليس لأن كلمة «أخلاق المقاومة» لأليمي تبدو وكأنها وسيلة للانتصار في الجدالات فقط (حيث يطلب عقلانية المقاومة)، لكن لأن أي تحليل من خلال «الأخلاق»، يجعل أي تفسير للأحداث (بشكل إيجابي، وبالتالي عن طريق البحث عن الأسباب) مشوهاً على الفور، وفي الواقع ممنوع تماماً بسبب الاختزال الذي يخلقه منطق الإدانة الأخلاقية.

لكن يجب علينا أولاً أن ننتج هذا التفسير الإيجابي والبحث عن الأسباب ونواصله حتى النهاية، على الأقل لتجنب تفاهة وسخافة التفكير الأخلاقي. من الواضح أن البعض ينسى مدى تعقيد المواقف، على الرغم من إخبارنا بذلك طوال الوقت في أحداث أخرى.

يبدأ الأمر من فرضية أن من بين مقاتلي حماس في السابع من أكتوبر 2023، ربما هناك فرد لم يتعرض من قبل لاغتيال أحبائه من إسرائيل، ولم يحمل بين ذراعيه جثة طفل أو والد أو زوج أو زوجة محبوبة، مزقت الرصاص أجسادهم أو سحقتهم القنابل. ماذا يفعل الشخص الذي يمر بكل تلك التجارب؟ يدخل في المقاومة ويناضل. إنه يناضل من أجل قضية أكبر منه، تتجاوز دوافعه الخاصة، ولكنها تغذيها أيضاً. لقد دخل المقاومة لأنه قبل أن يريد التحرر الوطني، يريد الانتقام. لكن الانتقام ليس عادلاً، وليس أخلاقياً. إنه الانتقام. وهذا الأخير متعطش للدماء. من يريد الانتقام ممسوس بغضب قاتل وساحق.

وفي غضون 75 عاماً، أنتجت إسرائيل غضباً انتقامياً على مستوى بلد بأكملها ـ ولن نذكر ما قد تضيفه الأحداث الجارية إلى هذا الغضب. نحن نفهم جيداً أن تجميع كل هذه المصائر المكسورة، التي أصبحت أيضاً العديد من المصائر الراغبة في الانتقام، سوف ينتج أشياء فظيعة عاجلاً أم آجلاً. بل حتى بغيضة. ولا داعي لفلسفة الأخلاق حتى نشعر بالرعب، فالحد الأدنى من تلك الفلسفة يكفي لنحترم بشكل بسيط الحياة البشرية جمعاء. إن جرائم السابع من أكتوبر تصيبنا بالرعب. لنتذكر كلمات كورتس الأخيرة في كتاب في قلب الظلام: «رعب، رعب». والمؤلف، جوزيف كونراد، لا يهتم بفلسفة الأخلاق.

لكننا نرى حتى إن داخل المشاعر الأخلاقية، تتميز الإدانة عن الرعب. لا نحتاج الكثير حتى نشعر بالرعب، ولا نحتاج إلى معاير للعدل والظلم. الأخلاق ليست بأي حال من الأحوال ضرورية لإنتاج ما تعتقد أنها وحدها قادرة على إنتاجه، وهو الشعور بالرعب وبالذعر. لا ينشأ هذا الشعور من التفكير المسبق في ما هو عادل وما هو غير عادل، لأن الشعور بالرعب لا يمكن تبريره أو عدم تبريره.

إن التبرير هنا ليس سطحياً فحسب، بل هو مأزق فكري. يكتب أليمي إلى بتلر أن: «رفض مصطلحي الإرهاب ومعاداة السامية يبرر سياسياً وأخلاقياً أعمال السابع من أكتوبر». يجب أن نفهم أن كل شيء خطأ في هذه الجملة. كل شيء سخيف وعبثي. كل شيء مبني بشكل غير صحيح. إنها فضيحة فكرية. من الواضح أن في نهاية المطاف، لم يكن الاتهام بـ«الإرهاب» مقتصراً على «الفيلسوف» برنار هنري ليفي والصحافية التافهة ليا سلامي.

من دون مفاجآت، يقتبس أرييه أليمي بعد ذلك الفيلسوف الفرنسي سارتر الذي «برر» سبتمبر الأسود في دورة الألعاب الأوليمبية عام 1972. لكن كان ينبغي له أن يستشهد بفانون الذي كتب له سارتر مقدمة في كتابه «معذبو الأرض». إن فانون مهم لأنه لا يبرر أي شيء. إنه لا يمارس أو يفكر في فلسفة الأخلاق لأنه مادي مناهض للاستعمار. إنه يقول، هكذا سيحدث الأمر وهذا هو السبب. أن تكون مادياً يعني أن تحلل مشهد موازين القوى وتفهم كيف تحدد تلك القوى بعضها البعض بشكل متبادل وتتوقع الاتجاه المحتمل، وإذا كانت هذه النتيجة لا تسعدك فعليك أن تفكر في تدخل قوة إضافية لم تكن في المشهد الأولي ولكن يمكن أن تغير الديناميكية العامة. هذا هو ما يعنيه أن تكون مادياً.

إن مأساة الفكر الأخلاقي أنه فكر مثالي وفردي بشكل فظيع. لذا فإنه يلجأ إلى المبادئ، إذ يتخيل أن لديها بعض القوة الخاصة بها، ثم سيلجأ بعد ذلك إلى جهود الأفراد، إلى جهدهم الأخلاقي، إلى تمييزهم في مسائل العدل والظلم. إذا كان هناك من يرغب في تقديم توصيات أخلاقية في غزة في الوقت الحالي، فلا يتردد. لكن بعد الفشل في القيام بالرحلة إلى غزة، يدعو أليمي الآن إلى استيقاظ أخلاقيات «المثقفة»، ويحثها طبعاً على التوقف عن قول «المقاومة» دون إخضاعها لـ«أخلاقيات المقاومة». يمكننا أيضاً أن نعتبر أنه إذا تمكنت فلسفة الأخلاق من العثور على مكانتها في الوضع الحالي بشكل مفاجئ، فيجب أن تمارس من قبل من يعانون ويقاتلون، وليس من أولئك الذين يراقبون عن بعد.

لكن كل هذا يفوح منه رائحة النزعة الإنسانية البرجوازية. إنها مشكلة حقيقية. يأخذ أليمي من بتلر فكرة أن «الوسائل التي نستخدمها تعكس العالم الذي نريد خلقه»، ولكن بإعادة صياغة أخلاقية، رغم أنه يجب فهم الوضع بشكل سياسي واستراتيجي.

يجب أن نتوقع، في حرب تحرير ضد الاستعمار، بالرغبة الانتقامية. واستحضار مبادئ أخلاقية لن يخفف أي شيء. هناك وسيلة واحدة فقط أمام الانتقام، وهو تدخل طرف ثالث – أي مؤسسة - قادر على إصدار الإدانة، ولكن بشكل قانوني، وقادر على التعويض. هذا ليس «مبدأً أخلاقياً»، بل تدخل قوة. لكن السؤال الآن: من رأى طرفاً ثالثاً في فلسطين؟ من رأى تعويضاً ما؟

كما هو الحال في جميع المواقف الاستعمارية، تتراكم التعويضات المتأخرة على المدى الطويل، (تصل إلى 75 عاماً في هذه الحالة)، مما ينبئ بأن الانفجار سيكون أكثر عنفاً مع مرور الوقت. وهنا يقول البعض إن «على الفلسطينيين أن يطبقوا «أخلاقيات المقاومة» عندما ينتفضون»، في أي عالم يعيش هؤلاء البشر الذين يقولون مثل هذه الأشياء؟ إن الطرف الثالث غائب، والقوى التي يمكن أن تحل محله تقف إلى جانب الظالم بشكل شنيع وفج. فهل من الغريب أن تسوء الأمور بعد 75 عاماً، بل وفي بعض الأحيان تصبح بغيضة؟

سيقول ربما البعض على سبيل المثال، إن إزالة فلسفة الأخلاق من التحليل بأي ثمن يؤدي في النهاية إلى نسيان ما هي قادرة على فعله. مثل هذا الرجل الذي قُتلت زوجته خلال هجوم باريس الإرهابي عام 2015، الذي وجد، لا نعرف كيف، القوة ليكتب: «لن أكهرهم».

هذه حركة أخلاقية بالفعل، حركة رائعة للروح نفسها. لكن لا يمكن أن نبني سياسة على فرضية المعجزات الفردية. علاوة على ذلك، بالنسبة لأحداث من هذا النوع، فإن الجسد السياسي الذي يتجاوز الأفراد، هو المسؤول بوسائل بعيدة عن الكراهية والرحمة. فهو يتدخل عن طريق العدالة - ليس العدالة الأخلاقية بل العدالة القضائية. هذا الشكل من التدخل الذي نفتقده بشدة في غزة.

من الممكن أيضاً أن نقول إن كل هذه الحجة غير متماسكة، لأن هذا الجسد السياسي في نهاية الأمر محايز وبالتالي لا يحتفظ بمنطق إيجابي حتى النهاية. هذا صحيح، أنه ينحاز. ولكن من دون تبرير أي شيء. سينحاز من خلال النظر في من لحق به الضرر الأكبر ويتم اتخاذ القرار بسرعة على هذا الأساس.

في نهاية المطاف، الوضع بسيط وقبيح، مثل الوضع الاستعماري بالضبط. يجادل بعض الناس بأن أي تفكير في السابع من أكتوبر يجب أن يبدأ من «الإرهاب». لا، عليه أن ينطلق من وجود مضطهِد ومضطهَد، من الوضع الاستعماري نفسه.

# فلسطين # حرب غزة # المقاومة الفلسطينية # طوفان الأقصى # فلسفة

هاشم صفي الدين: القائد المنتظر الذي يخشى حزب الله غيابه
فيلم «المخدوعون»: فلسطين في مواجهة الرجال والشمس
جولات بلينكن في المنطقة ولعبة سياسة الهندسة

فلسطين